Search This Blog

Friday, August 07, 2009

Archives


التحدي الديمقراطي في "الولاية الأخيرة" لزين العابدين بن علي
العربي صديقي
تشرين الثاني/نوفمبر، 2008
المؤتمر الخامس: تمهيد الطريق
لا تكمن أهمية المؤتمر الخامس لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم (30 تموز/يوليو ـ 2 آب/أغسطس)، في ترشيح بن علي لخوض انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2009، بل في مروحة التحديات التي يمكن أن تجعل ولايته الخامسة، والتي يفترض أن تكون "الأخيرة"، مرحلة انتقالية إلى نظام سياسي أكثر انفتاحاً في العام 2014. إذ اعتُبر المؤتمر الذي عقد تحت شعار "التحدي"، حدثاً بالغ الأهمية في البلاد. فقد حددت مداولات المؤتمر وقراراته الأجندة السياسية للبلاد في الولاية الخامسة لبن علي وما بعدها، والمتمثلة في بناء تونس معتمدة على نفسها ومسالمة ومتسامحة، وتعميق التعددية في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، وتوسيع دائرة المشاركة للجنسين، وتعزيز أهداف التكافل الاجتماعي، وتوفير تكافؤ الفرص وتوزيع السلع التطويرية، واستيعاب الشباب عبر عملية الحوار الوطني، واستثمار المزيد من الموارد في التوظيف، والتزام تونس بمبادئ التعايش السلمي ومكافحة الإرهاب وحوار الحضارات. بيد أن الرسالة الرئيس للمؤتمر تمثلت في أن بن علي وحده هو القادر على إنجاز هذه الأهداف.
بدا زين العابدين بن علي في المؤتمر ممسكاً بزمام الأمور، وأصغر مما يوحي به سنّه السبعيني. وأمام قادة حزب التجمع الدستوري الديمقراطي والآلاف من أعضائه والدبلوماسيين الأجانب وممثلي 92 من الأحزاب السياسية العالمية، بمن فيهم ممثلو الحزبين الحاكمين في كل من فرنسا والصين وضيف الشرف الرئيس الفلسطيني المحاصر بالانتقادات محمود عباس، حدّد بن علي أهدافه الرئيسة التي شملت، فيما عدا الإعلان عن ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة، الوعود التالية: الالتزام بحصة (كوتا) تبلغ 30% للنساء في البرلمان بمجلسيه، وزيادة عدد أعضاء اللجنة المركزية في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي من 250 إلى 343، والموافقة على حوار وطني مع شباب البلاد لمدة عام، وانتخاب نائب لرئيس الحزب الحاكم.
لم يكن ترشيح بن علي في الواقع موضع منافسة داخل الحزب. إذ يقوم حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، والذي يُعتبر حزباً جماهيرياً يصل عدد أعضائه إلى مليونين، (أي خمس عدد السكان البالغين في البلاد، أو ما يقرب من 90% ممن يتمتعون بحق التصويت)، بحملة منذ العام 2006 تحت شعار "بن علي من أجل تونس المستقبل" و"بن علي 2009". كما أن النقابات الكبرى المرتبطة بالدولة، مثل الاتحاد العام للعمال التونسيين، والجمعية الوطنية للنساء، والجمعية الوطنية للمزارعين وصيادي الأسماك، إلخ، أعلنت بصورة مبكرة عن تأييدها لبن علي. وكانت هذه الحملة المنسقة أقرب إلى "البيعة" (تقليد يعني الدعم الشعبي والولاء ذا الجذور القبلية)، وهو ما أصبح شائعاً بشكل مقلق في الأنظمة الجمهورية العربية.
يثني مؤيدو بن علي على أدائه في مجالات التخفيف من وطأة الفقر من خلال صندوق التكافل الوطني، والاستقرار وكسب ثقة رجال الأعمال (وهما عاملان اجتذبا المليارات من الاستثمارات الأجنبية المباشرة) وازدهار السياحة، وزيادة حجم التجارة مع ليبيا والجزائر المجاورتين، والشراكة المفيدة مع الاتحاد الأوروبي، والاعتدال في العلاقات الدولية. باختصار، أوجد بن علي "بلداً ناجحاً".
وقد امتدح الرئيس الفلسطيني محمود عباس المدرسة "الواقعية" التونسية، وشدّد على أنها مطلوبة بإلحاح في بقية أنحاء العالم العربي. كما أيد العقيد معمر القذافي، في أثناء زيارة رسمية إلى تونس بعد أسبوع من المؤتمر لافتتاح مجمع سكني بتمويل ليبي، ترشيح بن علي، معلناً أن "الليبيين يشعرون بالارتياح مع زعامته". وتعد مشاعر القذافي رجع صدىً لمشاعر قيادات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي تعتبر بن علي زعيماً جديراً بالثقة لسياسته الخارجية المعتدلة والسلمية، إضافة إلى التزامه الحرب على الإرهاب. وأشارت شخصيات مرموقة من آسيا وبلدان العالم الثالث وأوروبا تحدثت في المؤتمر بإسم أحزابها السياسية، إلى قصة نجاح تونس بزعامة بن علي لجهة استمرار الإصلاحات في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، والتنمية المستدامة، وإشراك المرأة، والتحوّل السياسي المتواصل، والالتزام بكل من الاتحاد المتوسطي الجديد واتحاد المغرب العربي.
بيد أن خصوم بن علي يقللون من أهمية أدائه، ويستشهدون بهيمنة حزب التجمع الدستوري الديمقراطي على المشهد السياسي، وانتهاك حقوق الإنسان على يد جهاز الأمن والشرطة، واستمرار الرقابة على وسائل الإعلام، والقيود المفروضة على الحياة النقابية ومنظمات المجتمع المدني، واستبعاد عدد من الأحزاب السياسية، العلمانية والإسلامية على حد سواء، من الحياة البرلمانية. كما يشكك منتقدو بن علي أيضاً، بالتزامه التحّول الديمقراطي.
لم تساهم مواقف حزب التجمع الدستوري الديمقراطي في تبديد هذه الانتقادات. لابل أدى القانون الذي أقرّه الحزب الحاكم الحائز على الأغلبية البرلمانية في 26 تموز/ يوليو، إلى توكيد شكوك المعارضة. فالقانون ينظّم حق الترشح لمنصب الرئاسة من خلال حصره بقادة الأحزاب السياسية وحسب، وينص على أن يكون المتنافسون على الرئاسة قد خدموا مدة لاتقل عن خمس سنوات في منصب الأمين العام للحزب. وهكذا فإن هذا القانون يعترض سبيل المرشحين المستقلين، إضافة إلى قادة أو أعضاء الأحزاب السياسية التي لاتحظى بالشرعية أو الهيئات المدنية الأخرى.
وقد اتهم نجيب شبي، الذي كان الزعيم السابق للحزب التقدمي الديمقراطي لأقل من خمس سنوات، حزب التجمع الدستوري بعرقلة ترشيحه لانتخابات العام 2009. وشبي شخصية بارزة، لكنه لن يتمكن من تهديد بن علي في انتخابات الرئاسة. وعلى أي حال، لن يكون هناك منافسون حقيقيون لبن علي في السباق الرئاسي العام 2009، إذ لم تكن الانتخابات الرئاسية العام 1999 والعام 2004، والتي فاز فيها بن علي بنسبة 99,4% و94,4% من الأصوات على التوالي، سباقاً بين أنداد، كما أن انتخابات العام 2009 لن تكون مختلفة كثيراً عن سابقاتها.
نحو ميثاق وطني تونسي جديد للعام 2014 وما بعده
يواجه حزب التجمع الدستوري الديمقراطي والمعارضة معاً تحدياً كبيراً له علاقة أساساً بما يحدث في ولاية بن علي الخامسة وبالكيفية التي يمكن فيها للجانبين التعاون من أجل التوصل إلى ميثاق وطني وعملية تحوّل ديمقراطي بعد العام 2014، أكثر من علاقته بمن يفوز في انتخابات العام 2009.
وبينما تبدو شخصيات المعارضة محقة في شجب عدم نزاهة السباق الرئاسي وتجاوزات إدارة حزب التجمع الدستوري، فإنه يمكن النظر إلى الولاية الخامسة لبن علي بوصفها فرصة ديمقراطية للتحوّل عن النظام السياسي الذي يهيمن عليه حزب التجمع الدستوري. إذ ينبغي أن يتّجه تركيز المعارضة نحو ما ينبغي القيام به لخلق فرصة ديمقراطية في العام 2014. وسيتمثل اختبار النوايا بالنسبة إلى بن علي في هذا الشأن، فيما إذا كان سيفرض على حزبه اختراع نسب الأصوات غير الواقعية التي حصل عليها في الماضي، أم سيفوز بأرقام في نطاق 70 أو 80 في المئة، بصرف النظر عمن سيواجهه في الانتخابات. وإذا ما قام بهذه الخطوة الاخيرة فهذا سيعزز صدقيته، ويساعد في جعله وسيطاً فعالاً، إذا ما قاد تونس في ولايته الأخيرة نحو تفاوض جاد في شأن تحوّل ديمقراطي يستند إلى ميثاق وطني يجمع حزب التجمع الدستوري والمعارضة سوية.
وعشية الولاية الخامس لبن علي يمكن اقتراح عدد من التوصيات في شأن السياسة، تتمحور حول دور بن علي وحزب التجمع الدستوري والمعارضة التونسية والمجموعتين الأوروبية والدولية:
في ما يتعلق بالرئيس بن علي نفسه، فإن في مقدوره استغلال آخر ولاية له لأعادة النظر في الميثاق الوطني للعام 1989، على نحو يحفظ أخلاقية التكافل بوصفها تنوعاً ديمقراطياً في إطار المساواة، وضمان استيعاب أكبر، وتنافس ديمقراطي أعمق، ومشاركة أوسع. ولتحقيق هذه الغاية، فإن مصالحة تضع حداً للعداء المستمر والمتبادل بين الدولة والمعارضة غير البرلمانية تبدو مهمة. كما أن إصدار عفو عام عن كل السجناء السياسيين والسماح لكل المنفيين بالعودة إلى تونس، سيسهم في تدشين فصل جديد في العلاقة بين الدولة والمجتمع. وإذ يُعلّق بن علي أهمية على الدور الذي يمكن أن يلعبه المهاجرون التونسيون، فإن هذه الاجراءات قد تكون وسيلة تتيح له إظهار التزامه بهذا المبدأ.
يستطيع بن علي أن يقود البلاد بوصفه وسيطاً وطنياً يترفّع عن المصالح الحزبية الضيقة. فهو في وضع يؤهله لأن يحاول مصالحة الدولة والمجتمع، وحزب التجمع الدستوري وخصومه، حول طائفة مشتركة من القيم الجمهورية والديمقراطية التي يُعاد التفاوض بشأنها من جديد، والتي تؤكد على توفير إطار من أجل ميثاق لتحوّل حقيقي يضم الأحزاب الأخرى في العملية السياسية ويتجاوز الآلية الشكلية الحالية والحصص، ويوزّع المناصب السياسية، بما فيها المجالس الاستشارية لحكام الولايات، بشكل أوسع. ويجب على بن علي أن يشجع على العودة إلى أهم إصلاح دستوري قام به وتم تعديله العام 2004 وهو أن يقتصر عهد الرؤساء على ولايتين انتخابيتين من 5 أو 4 سنوات. وأخيراً وليس آخراً، يمكن التفكير في اعتماد نظام انتخابي نسبي لتعزيز التنافس والتمثيل النزيهين.
أخيراً فإن على بن علي أن يعالج مسألة خلافته. وهو كان ألمح إلى هذه المسألة باقتضاب في خطابه أمام المؤتمر الخامس لحزب التجمع الدستوري. وهذه بالتأكيد مسألة ينبغي أن تُرتّب نهائياً وبشكل واضح وشرعي ودستوري. ويدرك بن علي تماماً، كما تبيّن التجربة العربية بشكل كافٍ، أن قواعد الخلافة ليست مضمونة تماماً. وعلى سبيل المثال ثمة تساؤلات عما إذا كانت السيدة ليلى بن علي منافسة محتملة على الرئاسة بعد بن علي، وهو الأمر الذي قد يكرر في تونس (إذا ما حدث) مسألة خلافة الزوجة في الأرجنتين العام 2007. وعلى نحو مماثل، ثمة علامة استفهام عما إذا كانت الولايات المتحدة أو فرنسا تفضّل خليفة بعينه من التكنوقراط في الحكومة أو الجيش. وفي كلا هذين السيناريوهين لايوّفر الدستور ضمانات في ألا تُوظّف وسائل خلافة غير دستورية من الداخل أو الخارج.
في ما يخص حزب التجمع الدستوري الديمقراطي فإنه يقترب من الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيسه، وبذلك فإنه في حاجة لأن يتعلّم العيش بناءً على أصالته التاريخية لا بالاعتماد على الدولة. إذ إن نأيه بنفسه عن الدولة في شكل تدريجي سيخلق نظاماً حزبياً أكثر نزاهة، وسيشجّع الأحزاب الأخرى على لعب دور أكثر فاعلية. على الحزب كذلك التخلي عن أحاديته الصارمة وعن الاعتماد على عبادة الشخصية. إذ لايزال التنافس الديمقراطي الداخلي غائباً عموماً، كما لاتزال قابلية الانتقال إلى مناصب أعلى بالنسبة إلى القادة الشباب تعتمد على الاختيار الشخصي. وفي المحصلة، يحتاج حزب التجمع الديمقراطي وفي شكل ملح إلى إصلاح ديمقراطي داخلي. والأهم من ذلك كله أن على الحزب ألا يقع في مصيدة ترشيح بن علي من جديد في العام 2014 (أي أن يُنتَخَب رئيساً مدى الحياة، وهو ما عارضه بن علي في العام 1987). وعلاوة على ذلك، يمتلك الحزب تاريخاً يساعده في بناء الجسور مع أحزاب المعارضة والعمل في اتجاه عقد ميثاق وطني لما بعد العام 2014.
في ما يتعلق بالمعارضة، العلمانية منها والإسلامية، في داخل تونس وخارجها، فإنها تُحسن صنعاً إن هي ركّزت على أجندات سياسية واقعية وزاوجت بينها وبين الإستراتيجيات السياسية الفعالة، كي تكون على مستوى التحديات التي تنتظرها حتى العام 2014 وما بعده. وبناء على ذلك، يمكن للمعارضة التونسية أن تخمد حالة الهستيريا التي تنتابها في شأن انتخابات العام 2009، وتعترف بأن إعادة انتخاب بن علي أمراً واقعاً ومعركة خاسرة بالنسبة إليها فتتجاوز المسألة لإصلاح ذات البين مع الدولة وحزب التجمع الدستوري وتمد يدها إلى بن علي، ذلك أن خروج بن علي من السلطة بشكل ديمقراطي في العام 2014 أكثر أهمية من منافسة شبي أو أي شخص آخر في انتخابات الرئاسة العام 2009.
أمام الأحزاب السياسية الموجودة في تونس، بما فيها حزب التجمع الدستوري، الكثير من العمل في مجال النقد الذاتي، والتغلّب على الانقسامات الداخلية والصدامات الهامشية، وتعلّم التنافس في صورة بناءة. فالكثير من الأحزاب التونسية بوضعها الحالي مجرد دكاكين سياسية. ثمة الكثير مما هو عرضة إلى المخاطر لجهة "الدمقرطة"، بحيث لايجب أن يُترك حزب التجمع الدستوري ليتولى بمفرده توجيهها. وعلى الأحزاب السياسية التونسية أن تعمل من أجل صياغة أجندة طويلة الأمد لتحقيق الهدف الأكبر المتمثّل في المصالحة الوطنية والتحوّل الديمقراطي بعد العام 2014، كما عليها أن تحوز شعوراً بالملكية في شأن "دمقرطة" تونس والعمل من أجل ميثاق ديمقراطي وميثاق وطني جديد بالاشتراك مع حزب التجمع الدستوري والدولة.
المجتمع الدولي
في ما يخص الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي، كانت تونس أول من التزم بعملية برشلونة ومن بين أوائل الدول التي دعمت فكرة الاتحاد المتوسطي التي طرحها ساركوزي. ويمكن لهاتين الآليتين أن تدعما التحوّل الديمقراطي في تونس خلال آخر ولاية لبن علي. ومن الناحية الواقعية يمكن للاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي أن:
· يدعم البرامج التي تعزز المجتمع المدني التونسي والتي تقدّم النصح والمشورة من أجل تطوير نظام تعددية حزبية صحي.
· السماح بنقل مهارات الدول الأعضاء في عملية برشلونة، لاسيما لجهة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، كما هو حال الميثاق الديمقراطي الإسباني في السبعينيات من القرن الماضي.
· دعم برامج سيادة القانون لدى قوى الأمن التونسية لتهيئتها لمهمة ضبط الأمن في صورة شرعية من دون اللجوء إلى استخدام القوة المفرطة.
· دعم برامج التدريب للصحافيين التونسيين لتطوير مهارات تقديم التقارير في صورة أكثر استقلالية والإقلال من الرقابة الذاتية.
· تشجيع الدروس المستفادة من التجارب بين دول الجنوب ـ الجنوب، وبين الدول العربية. وعلى سبيل المثال يمكن للجزائر والمغرب نقل مهاراتهما في شأن المصالحة الوطنية، كما يمكن للبنان نقل مهاراته في الإصلاحات الانتخابية.
إن ما سيكون مهماً في تونس بين العامين 2009 و2014 ليس كيف جاء بن علي إلى السلطة قبل اثنين وعشرين عاماً، ولاكيف فاز في انتخابات العام 2009، بل ما إذا كانت سنواته الخمس الأخيرة مكّنت من تحقيق مصالحة وطنية وأفضت إلى عملية تحول ديمقراطي، وما إذا كان قادراً على الالتزام بخروج مشرف وديمقراطي في العام 2014. إذ إن مثل هذا الخروج سيضمن له مكاناً مهماً في تاريخ تونس السياسي.
http://www.carnegie-mec.org/arabic/NewsDetailsAr.aspx?ID=930&MID=395&PID=375

العربي صديقي

No comments: