Search This Blog

Tuesday, September 06, 2011

Ahmed Kedidi à El-Youm

خاص

بعدعشرين عاما في المعارضة ،عينه بن علي سفيرا في قطر لإسكات الجزيرة:

الدكتور أحمد القديدي يتحدث لجريدة" اليوم" من باريس:

-أخطأ مزالي عندما إمتنع عن عزل بورقيبة...

-جئنا للسلطة عن طريق الأدب وجاء غيرنا من باب قلة الأدب...

-بن علي محدود، له دهاء وليس ذكاء...

-الرجل السياسي لا يموت إلا موتا طبيعيا...

-كمال مرجان مثقف ووطني ورجل مبادئ وإصلاح...

**حاوره: محمد بوغلاب

منذ مدة وأنا أضمر محاورة الدكتور أحمد القديدي آخر سفراء بن علي في الدوحة مقر تلفزيون الجزيرة مصدر الصداع الدائم للعائلة الحاكمة في "الإيالة الطرابلسية"،حتى أخبرني الصديق الدكتور أحمد المناعي (مؤلف كتاب الحديقة السرية للجنرال بن علي) بأن هدفي بات قريب المنال إذ أن الدكتور القديدي قد عاد إلى المهدية حيث يملك بيتا على شاطئ البحر ينسيه قيظ الخليج العربي ،غير أن إلتزام الرجل بالسفر إلى باريس في مهمة عمل جعل لقائنا التونسي عسيرا فكان إتفاقنا أن تكون باريس هي دوحة هذا الحوار الأول في شموليته الذي يدلي به محدثنا لصحيفة تونسية بعد ثورة 14 جانفي إن صح أن الأمر كان ثورة بالفعل...

والدكتور أحمد القديدي من مواليد القيروان منتصف الأربعينات من القرن الماضي،درس بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار ثم واصل دراساته العليا بالسوربون حيث أحرز شهادة الدكتورا ببحث عنوانه"الصحوة السياسية للإسلام وكيف حللتها الصحافة الغربية من 1980 إلى 1990)،وككثير من أبناء جيله آمن القديدي ببورقيبة وتحمل عدة مسؤوليات زمنه من بينها عضوية اللجنة المركزية للحزب الدستوري ومقرر لجنة الشؤون السياسية بمجلس النواب كما أدار جريدة "العمل" لسان الحزب الحاكم حين كان صديقه محمد مزالي وزيرا أول،ولكن خدمته لبورقيبة لم تشفع له إذ عرف من الإغتراب عن بلده ألوانا منذ أفول نجم مزالي وهروبه خارج البلاد،وأصبح أحمد القديدي عنوانا بارزا للمعارضة التونسية لنظام السابع من نوفمبر طيلة عقدين شهدا مدا وجزرا في علاقته بسلطة "العهد الجديد" ،وفي خطوة مفاجئة عينه الرئيس السابق نهاية سنة 2010 سفيرا في قطر وهي خطوة أثارت جدلا واسعا في حينها...

بعد 14 جانفي أنهيت مهمة الرجل ليتقلد خطة مستشار لأمير قطر التي يقيم فيها منذ أكثر من خمسة عشر عاما...

تفاصيل لقائنا في ما يي:

· لم يفهم الكثيرون كيف تم تعيينك سفيرا لتونس بن علي في قطر(سبتمبر 2010) والحال أنك كنت تصنف كمعارض لنظام بن علي، وكما أعلم فقد قضيت سنوات محروما من بناتك ووالدتك حتى أنك لم تشهد حفل زواج إبنتك سنة 2006 كما نهشت بعض الأقلام لحمك بإذن من مهندس الإعلام في قصر قرطاج...البعض يتحدث عن صفقة مع بن علي؟إن كان ذلك كذلك فما هي تفاصيل الصفقة؟

لا يمكن أن يدرك المهتمون بالشأن الوطني هذا التعيين إلا إذا وضعناه في إطاره التاريخي و في سياقه السياسي و أنا أتفهم و أقدر كثيرا من الإعتراضات الأخوية على قبولي لمسؤولية سفير لتونس لدى دولة قطربعد أن كنت معارضا للنظام على مدى 23 سنة. فقد نصحني علانية برفض المنصب المناضل الصادق مرسل الكسيبي و أنا أعتبره من أخلص شباب تونس بل هو في مقام إبني على مدى سنوات المنفى و الكفاح كما نصحني علانية أستاذي و شيخي عبد الوهاب الكافي أمد الله في حياته المليئة بالتضحيات و الكفاح. و لكني كنت أحلل الأمر بمنطق سياسي ظللت أعتقده وهو أن المناضل السياسي مطالب بالنتيجة بالإضافة إلى أن طبعي الشخصي يتسم بالإعتدال و رفض التعصب للرأي و الحفاظ على شعرة معاوية مع كل خصم. و قد تعاملت مع الرئيس السابق كما تعاملت مع الزعيم بورقيبة من منطلق تقديم النصيحة و محاولة إصلاح البيت التونسي من داخل منظومة الدولة لا من خارجها. و كان هذا موقفي و موقف صديقي محمد مزالي حتى خلال أعتى فترات القمع و الملاحقات. و حين فكر بن علي في تعييني سفيرا لدى دولة قطر لم أتردد في القبول لأسباب عديدة فبحكم معايشتي للمجتمع القطري و للدبلوماسية القطرية لمدة 15 سنة أدرك الأهمية القصوى لمواقف صاحب السمو أمير قطر على الساحة العربية و الدولية و أعرف أن القطيعة التي حرص عليها بن علي بين تونس و قطر هي خطر على مصالح بلادي لأني واثق من محبة الإخوة القطريين لتونس و شعبها و تقديرهم للكفاءات التونسية. فالقطيعة تواصلت في الحقيقة من جانب واحد و يشعر القطريون بمرارتها و لا يعرفون لماذا تصل العلاقات بيننا لدرجة القطع بسبب حديث منصف المرزوقي في الجزيرة مثلا. و أنا ساهمت في الخطوات الأولى للجزيرة وأعرف جيدا تأثيرها و أقدر إستقلاليتها و أعتبرها كسبا حضاريا للعرب و رائدة التحرر للمواطن العربي بلا منازع. و وضعت تعييني في هذا الإطار أولا يعني كبادرة تونسية لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب كما فهمها الإخوة القطريون أي لإعادة العلاقات بين الدولتين و الشعبين بما يخدم بلادنا و يستجيب لإرادة دولة قطر العزيزة. و بالفعل أنجزت في ظرف أسابيع ما لا يمكن التراجع عنه ألا وهو تفعيل اللجنة العليا المشتركة برئاسة رئيسي الحكومتين و توقيع 15 إتفاقية بين وزارات الدولتين في كل المجالات و الشروع في إنجاز المشاريع الكبرى مثل توزر و المهدية و العمل على إعادة مشروع مصفاة الصخيرة للشركة القطرية و خدمة مصالح جاليتنا التونسية و الزيادة في أعدادها في جميع التخصصات.

أما السبب الثاني لقبولي فهو لكوني عشت سنوات طويلة محروما من جواز سفري و جنسيتي و حقوقي أنا و أسرتي فقلت في نفسي بأن هذا الرجل الذي عاش بلا جواز بمعنى بلا وطن مثلي لاجئا سياسيا مطلوبا من (أنتربول) لا بد أن يؤدي رسالة إستعجالية لأنه اليوم وهو سفير يمكنه أن يمنح للمنفيين حقهم بإعطائهم جوازاتهم. و بدأت مهمتي على رأس السفارة بتمكين عدد كبير من المثقفين والمواطنين المطاردين من جوازاتهم و للحقيقة و التاريخ لم أجد من الأخ كمال مرجان سوى التأييد الذكي فأنا أعرف بأن الرجل الذي يحتل منصب الخارجية مثقف وطني وهو يدرك جيدا بأن تونس تتطور و لا بد من تغيير كثير من التوجهات و اكتشفت فيه خلال لقاءاتنا العديدة رجل مبادئ و إصلاح. كما أن طاقم السفارة يزخر برجال أكفاء وطنيين أحتفظ لهم بذكرى المستوى الرفيع.

و السبب الثالث لقبولي هو الجزيرة بالذات. فأنا أعرف العداء الذي يكنه بن علي لهذه القناة التي ساهمت في تحرير العالم العربي و أعرف أن لها دورا حاسما في المراحل التي تهيأت لها تونس و أنضجتها النخبة خلال العقدين الماضيين. فما إن بدأت بوادر الثورة في بلادنا حتى استجبت لطلب الجزيرة و وقعت لكوادرها التأشيرات و حل فريق الجزيرة بتونس لينقل الحقيقة و يقوم بأداء رسالة الإعلام القوي الحر. و بارك الله في الجزيرة التي اعترفت لي بهذا العمل الصالح على شاشتها في عز الثورة التونسية المباركة. و أرجو أن يتكلم اليوم بعض الإخوة المعارضين لينصفوني لأني كنت و أنا أستاذ بجامعة قطر أساعدهم على أخذ نصيبهم على شاشة الجزيرة بل و أستقبلهم في مطار الدوحة مؤمنا بأن أصواتهم تساهم في تغيير حال تونس و تدفع نحو التحرر و الإنعتاق كما كنت دائما أنظم لهم لقاءاتهم بأصحاب القرار و قادة الرأي في قطر التي تجمع نخب العرب و أدعوهم للمؤتمرات الدولية التي تقام هنا. و من هنا أعتقد أني لو رفضت المنصب لما كان يمكن لغيري أن يؤدي هذا العمل لأني بكل بساطة لست أفضل من غيري و لكني عشت هنا 15 سنة تأكدت خلالها من مروءة و سمو أخلاق النخبة القطرية.

السبب الرابع هو أني بعد محاكمتي الجائرة سنة 1990 و طلب إستردادي عن طريق أنتربول رفض بن علي أن يعيد لي حقوقي المدنية إلى 2010 و حين عرض علي سفارة قطر رأيت في ذلك التعيين تكذيب بن علي لنفسه بنفسه و إلغاءا طبيعيا للحكم الكيدي الصادر ضدي بخمس سنوات سجنا وهو ما يعني دستوريا إستعادة حقوقي المدنية بصفة تلقائية.

· ساد إنطباع إبان تعيينك سفيرا بقطر أن بن علي لعب ورقة صداقتك لأمير قطر حتى تسكت الجزيرة...هل كنت واعيا بهذا الهدف؟ لماذا قبلت أداء الدور؟

لعل هذا الهدف كان يدور في خلد الرئيس السابق و لكني أثناء لقاءاتي القليلة به أوضحت له بصراحة و صدق بأن التعامل مع الجزيرة ليس كما يخطط له مستشاروه و لكن باحترام الرأي المختلف، و لست أدري هل اقتنع بموقفي أو واصل إعتباري مثقفا حالما (يزمر وحده) !

· هل صحيح أنك عدت إلى تونس سنة 2000 بدعوة من بن علي؟ متى إلتقيته آخر مرة؟ماذا تذكر عنه؟هل بن علي سيء كل السوء أو تم إفساده ببطانة السوء؟

بعد المنفى الطويل تم تعيين صديقي محمد البلاجي سفيرا لتونس لدى قطر سنة 1998 و تواصلنا لأنه قال لبن علي وهو يتسلم أوراق إعتماده :" سيدي الرئيس أنت تعلم بأن علاقتي قوية و قديمة بأحمد القديدي و أنه يعرف عز المعرفة نخبة المجتمع القطري فكيف يمكن أن أؤدي مهمتي الدبلوماسية بدون مساعدته؟ فأرجو أن تأذن لي أن أتصل به" وقال لي البلاجي أن بن علي لم يمانع. و هكذا بدأ مسلسل عودتي إلى بلادي و عودة مزالي أيضا رغم تأخرها و لا أنكر فضل محمد الهاشمي الحامدي الذي عمل على تقريب الشقة. و أعتقد أن عودتي لبلادي لم تمنعني من مواصلة النضال فقد شاركت في برنامج قناة المستقلة المعارضة أنذاك سنة 2001 من لندن ثم أسست اللجنة العالمية للدفاع عن البروفسور منصف بن سالم و ساندت المسار الديمقراطي و عرفت بملفات حقوق الإنسان من مختلف المنابر و خاصة على مستوى البرلمان الأوروبي و إستقبلني بن علي بحضور عبد العزيز بن ضياء يوم 9 فيفري 2000 و لم يكن ينظر لي مباشرة بعد سنوات المنفى و العذاب التي تحملتها. أنا أعرف بن علي منذ أن كان مديرا عاما للأمن ثم تبين لنا أنا و محمد مزالي في منفانا أنه هو الذي كان يحرك خيوط الأحداث المحيطة بوراثة الزعيم و قد ذكرت الكثير من الأسرار في كتابي ( ذكرياتي من السلطة إلى المنفى) الذي صدر في عز قوة بن علي (2005) لا بعد رحيل السلطان الجائر كما نرى اليوم هذا السيل من البطولات السهلة. أعتقد بأن استمرار استعانة بن علي بنفس الشخصين كمستشارين على مدى 23 سنة ساهم في تردي حكمه و التعجيل بسقوطه، حيث أصبح رهينة لعائلة الطرابلسي و للمستشارين المعروفين.

· في 22 مارس 2007 وجهت رسالة مفتوحة إلى بن علي من بين ما تضمنته الدعوة إلى إغلاق ملف المنفيين وإعادة المسرحين إلى حضيرة المجتمع...ماهي الظروف التي دفعتكم إلى كتابة هذه الرسالة؟ كيف تفاعل معها بن علي؟

هذه الرسالة أكملت ما كنت قلته في مداخلتي على قناة الجزيرة في مارس 2006 حين شاركت في برنامج ( ما وراء الخبر ) المخصص لوضع حقوق الإنسان في تونس و كان يدير الحوار فيه الزميل الفاضل محمد كريشان و طالبت فيه بن علي بإنتهاج سياسة أخرى و اقترحت تعيين لجنة للعدالة و الوفاق تعيد للمضطهدين حقوقهم و قلت بأن البلاد تعيش حالة إحتقان سياسي. و رد علي برهان بسيس في نفس البرنامج متهما إياي بأنني أشبه تونس بجنوب إفريقيا وبأني متطرف....إلخ و لكن في يوم الغد مباشرة أطلق بن علي سراح 70 من الإسلاميين و حمدت الله سبحانه أني كنت وراء هذا الإنجاز. و لكن تسبب لي ذلك الموقف في عدم تجديد جواز سفري و جوازات أولادي في قنصلية (نانتار) بفرنسا و ظللت سنة و نصف لا أرجع إلى تونس بعد أن أكلت الصحف الصفراء (الموجودة حاليا بتغيير الضحايا) لحمي حيا و حرمت من حضور حفل زفاف إبنتي سيرين حيث أسمعوني الزغاريد بالهاتف و أنا في منفاي الثاني بعد المنفى الأول. و حررت بعد سنة الرسالة المفتوحة التي تمسكت فيها بنفس المواقف لكن أضفت محاولة مخاطبة بن علي كأب للطفل محمد زين العابدين حتى يدرك مأساة المنفيين المحرومين من فلذات أكبادهم. الغريب أن بن علي بعد مشاهدته لمداخلتي على الجزيرة سارع ليلتها بإطلاق سراح 70 سجينا سياسيا لكن مستشاري الزور أذنوا بهتك الأعراض لتهديدي و منعي من العودة لتونس و هذان المستشاران المعروفان ظلا يلازمان الإستبداد و الفساد إلى يوم 14 جانفي 2011 .

· إرتبطت مسيرتك بالراحل محمد مزالي في السلطة وخارجها ...هل مازلت على وفائك لمزالي؟

عرفت محمد مزالي سنة 1966 بمقر مجلة الفكر 13 نهج دار الجلد و ترافقنا في مسيرة أدبية و فكرية و تعاونا على تأسيس إتحاد الكتاب التونسيين سنة 1970 و كنت أنا أصغر أعضاء الهيئة المديرة المنتخبة سنا أنذاك و عرفت فيه المثقف الأصيل المتمسك بهوية بلادنا و لم يحد الرجل عن مبادئه في كل المسؤوليات التي تحملها و تواصلت صداقتنا في المنفى الصعب و شكلنا في أوروبا علاقات نضالية مع أحمد بن صالح و أحمد بنور و الطاهر بلخوجة و رموز حركة النهضة و شبابها و أحمد المناعي و المرحوم الشهيد علي السعيدي و منذر صفرو عبد المجيد بودن و عمر صحابو و رفعت الدالي و مجموعة أخرى مختلفة المشارب كما سعينا لجمع كلمة المناضلين المغاربيين الكبار أمثال المرحوم محمد الفقيه البصري من المغرب و أحمد طالب الإبراهيمي من الجزائر. و سيذكر التاريخ لمحمد مزالي عديد الإنجازات و التضحيات رحمه الله رحمة الأوفياء لتونس. وكما اتفقنا فقد حدث أن اختلفنا و قد ذكرت هذه الإختلافات في كتابي (ذكريات من السلطة إلى المنفى) و قرأها مزالي وهو حي و ناقشني فيها و لكن دون غضب أو استياء. و حين كان وزيرا أول كنت من القلائل الذين لا يترددون في مجاهرته بما يخالف رأيه عديد المرات وهذا مذكور أيضا في كتابي.

· هل كان لكم دور في عقد صفقة مع النظام لعودة مزالي؟

نعم كان لي دور أساسي و ساعدنا قانونيا كل من الأستاذ المحامي محمد بن عياد و الأستاذ المحامي الطاهر بوسمة و كان الوسيط الذي يمثل بن علي هو محمد البلاجي و توصلنا بعسر إلى ما يرضي محمد مزالي وهو حقه أي إلغاء الحكم الكيدي الصادر ضده تماما كأنه لم يكن. و سأنشر يوما ما كل التفاصيل لأن هذا المسلسل بوثائقه وهي عندي يجب أن يعرفه الشباب التونسي.

· ما تعليقك على ما ورد في كتاب رشيد عزوز(ساعد مزالي على الهروب عبر الحدود الجزائرية) الذي إتهم مزالي بالمغالطة وإدعاء البطولة والشجاعة وعاتبه على تنكره له بعد تسوية وضعيته مع نظام بن علي؟

قرأت كتاب الصديق رشيد عزوز وهو رجل مبادئ ترافقنا في المنفى سنوات عجافا و عاش معنا مغامرات الكفاح و الصبر و تحمل مأساة التنكيل بأولاده وأشقائه و فقد مكتبه للدراسات الهندسية و أفلس ثم عاش سنوات من الضيق وهو يعبر عن رأيه في كتابه و أنا لا ألومه لأني أيضا تحملت نصيبي من الذي كتبه الله لي و ليس لدي أي اعتراض عما قاله رشيد عزوز في كتابه لأنه رد فعل طبيعي وشخصي و لكني أقدر الأمور بعيون مختلفة و لكل الحق في التعبير عن رأيه.

· ماهي الملابسات التي دفعتك إلى مغادرة تونس إبان عزل محمد مزالي؟

القصة أطول من أن تحكى في استجواب قصير و قد حكيتها للقراء في كتابي المذكور لكن التاريخ سيكون منصفا لأن بورقيبة عندما بلغ أرذل العمر أطرد زوجته وسيلة و إبنه الحبيب الإبن و وزيره الأول مزالي و أصبح رهينة لدى سعيدة ساسي و زين العابدين و منصور السخيري و الهادي المبروك و سواهم ثم إن إختيارنا للمنفى أنا و محمد مزالي و الطاهر بلخوجة وأحمد بنور و غيرنا كثيرون كان خيارا حكيما لننجو من مناخ التصفيات و العفن و تقاسم التركة.

· هل تحقد على بورقيبة لأنه كان السبب في محنتكم؟

شرح صديقي محمد مزالي في كتابه (رسالة مفتوحة إلى بورقيبة) عواطفنا المشتركة نحو الزعيم فنحن بورقيبيون لكن نختلف معه في قضية الهوية و في ملف الديمقراطية لا غير وهي إختلافات أصبحت جوهرية و أعتقد أننا ذهبنا ضحيتها و حل محلنا المكيافليون وهم كثر.

· ألم يقد مزالي البلاد إلى الإفلاس وهو وزير أول؟

مزالي ضحية التمسك بالهوية العربية الإسلامية لتونس ثم إذا كان سبب عزله هو الإقتصاد كيف نفسر إسناد الوزارة الأولى بعده لوزير الإقتصاد رشيد صفر؟!!

المأخذ الوحيد الذي قالته لي سعيدة ساسي يوم 3 أوت 1986 في قصر المرمر بصقانس هو حسب رأيها (من وحي بن علي الذي كان يحركها كالدمية البلهاء المهووسة طبعا) أننا نمهد الحكم للإسلاميين و اللوم الوحيد الذي سمعه مزالي من بورقيبة بعد عزله في نفس القصر هو " عرّبت برشة يا سي محمد". التاريخ سوف ينصفنا و بدأ ينصفنا.

· يصنفك البعض قي جناح مزالي الذي يضم المازري شقير وفرج الشاذلي والبشير بن سلامة....في مقابل جناح تدعمه وسيلة بورقيبة يضم الطاهر بلخوجة والباجي قايد السبسي والهادي المبروك...ما رأيك في هذا التصنيف؟

حزب الدستور كان حزبا واحدا في الظاهر و لكنه كان في الواقع أحزابا عديدة لأنه لا مجال لأحزاب معارضة فقد كنا نحن نشكل تيارا للتعريب و سيادة الهوية ورفض الإستعمار الجديد و جئنا للسلطة عن طريق الأدب و يقول أحمد بن صالح "بينما جاء غيرنا للسلطة عن طريق قلة الأدب..." أغلب الناس اليوم يترحمون على بداية الثمانينات لأنها نسبيا كانت أرحم حين كان التونسيون يقرأون جرائد المعارضة في المقاهي و 3 أحزاب معارضة تعمل و فتحنا أبواب الخليج لكفاءاتنا و للإستثمارات و لم يغفر لنا المتغربون و أيتام الحضارة صنيعنا هذا فشردونا في أرض الله.

· في حوار جمعنا بالسيد محمد الصياح إعترف الرجل بنصيبه من المسؤولية عن الأزمة السياسية ؟ فهل تعترفون بنصيبكم أيضا؟

وكيف وصل بن علي إلى السلطة في غفلة منكم وقد كنتم ديناصورات السياسة؟ كيف أفهم أنا الذي تربيت على أن تونس البورقيبية تقدس التعليم أن يحكم تونس شخص لم يتحصل على شهادة الباكالوريا؟

لولا أخطاؤنا جميعا لما وصل بن علي إلى الحكم. نعم أخطأنا و اعترفنا بأخطائنا من منفانا عديد المرات. فقد إنشغل مزالي و كل الطامحين لوراثة بورقيبة بالصراع الخفي من أجل وراثة الكرسي و أهملنا مراقبة الرجل الوحيد المهووس بالكرسي وهو الجنرال زين العابدين بن علي و قد كان يجهز نفسه لأعلى هرم السلطة وهو ظاهرة فريدة في العصر العربي الحديث يجب تناولها بالدرس. بن علي رجل محدود و لم يقرأ التاريخ له دهاء و ليس ذكاء وهو مستعد لكل شيئ من أجل الوصول للحكم بعكس السياسيين من أبناء بورقيبة فقد كان أغلبهم يتحلى بقدر و لو قليل من الأخلاق السياسية تمنعهم من ارتكاب المحظور.

· هل تؤكد ما ورد في كتابكم بخصوص إعلامكم لبن علي بقصف حمام الشط سنة 1985 وكانت والدتكم مصدر المعلومة؟

هل بلغ ترهل الدولة هذا الحد؟

كان ذلك صباح جنازة المرحوم عبد الله فرحات بدار الحزب بالقصبة و كانت الوالدة الحاجة رحمها الله تسكن في أقصى بوقرنين و تلفنت لي قائلة بأن قنابل تدك مكانا قريبا من بيتها فقلت لها إنها لا شك مقاطع الصخر بالجبل يقع تفجيرها فقالت لي لا يا وليدي أنا عشت الحرب العالمية الثانية و أعرف صوت القنابل. فصعدت إلى الطابق الثاني لأجد جثمان المرحوم عبد الله فرحات مسجى و حوله صلاح الدين بالي وزير الدفاع و زين العابدين وزير الداخلية فاقتربت من بالي و همست في أذنه: هل وقع هجوم بالقنابل في الضواحي الجنوبية؟ فتعجب و سألني : من أين هذا الخبر؟ فقلت له من الوالدة الحاجة ؟ فابتسم ابتسامة المستنكر. و وقفت إلى جانبهما حين جاء أحد الضباط مسرعا و مد برقية لبالي وهو ممتقع. فنظر لي بالي وقال لي وهو يسرع نحو الباب : أمك على حق لقد دكت إسرائيل حمام الشط.

· لمح أحمد بنور إلى تواطؤ بن علي مع الموساد لضرب حمام الشط ولإغتيال أبي جهاد وأبي إياد...ما رأيكم في هذا الإتهام؟

وهل تطمئن إلى وصف بن علي اليوم بالعميل (صرح عبد الرحمان شلقم بأن بن علي كان يتقاضى جراية شهرية من العقيد القذافي)وتاجر المخدرات ومهرب العملة الصعبة؟

ليست اي أية تعليقات على هذه الأمور فالذين أثاروها كانوا يحتلون مواقع حساسة وهم أعرف بها مني لأني في الحقيقة ما أبعدني عن هذه الأسرار.

- هل ترك محمد مزالي وصية؟ماهي آخر مواقفه؟هل رضي بنصيبه في آخر العمر؟هل تصالح مع بن علي خاصة وأن أحمد بنور صرح لنا بأن مزالي كان يتمنى أن يرى بن علي يغادر القصر مغلول اليدين؟

محمد مزالي رجل ثقافة و قد قلت رأيي في أسباب عزله صلب كتابي الذي ذكرته و قرأها في حياته و لم يعترض عليها. فقد أخطأ مزالي عندما امتنع عن عزل الزعيم سنة 1984 عندما كان طريح مستشفى الرابطة و كان هو يجمع بين الوزارة الأولى و وزارة الداخلية كما أخطأ عندما لم يمارس السياسة بمفهومها الواقعي لا بمفهومها الفكري. و سأكشف في الإبان عن أسرار و خفايا تلك المرحلة الثرية بالأحداث أي فترة 84-86.

- بوصفك شاهد عيان من يتحمل مسؤولية ضرب الإتحاد العام التونسي للشغل في عهد مزالي والإنقلاب على المكتب الشرعي بجماعة الشرفاء؟ألم تكن خطأ لا يغتفر لرجل فكر مثل مزالي؟

الأخطاء يتقاسمها الجميع بمن فيهم المرحوم الحبيب عاشور وقد اعترف بجزء من ذلك في مذكراته و لكن للدول الشقيقة الجارة يد فيما حدث لأنها لم تكن أحداثا داخلية صرف.

- بعد حل التجمع الدستوري الديمقراطي بقرار من المحكمة تم إغلاق جريدتي "لورونوفو" والحرية...بوصفك مديرا سابقا لجريدة"العمل" هل تعتبر إغلاق الجريدة قرارا صائبا؟

و هل بقي شيئ من الصحافة الحزبية التي كان أول مدير لها الحبيب بورقيبة ثم رشيد إدريس ثم الحبيب الشطي ثم الحبيب بولعراس ثم صلاح الدين بن حميدة ثم العربي عبد الرزاق ثم أحمد القديدي... وهذا أخر عهد للصحافة الحزبية ذات المستوى الأخلاقي المشرف و التي لم تهتك عرضا و لم تسب معارضا بما لا يليق. رحم الله ذلك العهد. و قد قلت هذا الكلام لبن علي في رسالتي المفتوحة له في مارس 2007.

- بعد حل التجمع تناسلت عشرات الأحزاب تحت مسميات مختلفة كلها تزعم الدفاع عن إرث بورقيبة ...هل أنت على صلة بأحد هذه الأحزاب؟ وهل تحتاج تونس إلى "الدساترة" في هذه المرحلة؟

ليست لي أية صلة بأي حزب وأنا أحترم الجميع و أعتقد أن كثيرا من كوادر ومناضلي الحزب الدستوري هم من الوطنيين الذين لم يظلموا أحدا بل اجتهدوا في خدمة مواطنيهم بصدق ما عدا أولئك الذين استغلوا الحزب و الحكم للإثراء والإرتشاء و الكسب الحرام و اضطهدوا الناس وهم معروفون لا يختلف في شأنهم تونسيان إثنان.

- كيف تقبلت إقالتك من خطة السفارة والحال أن الجالية التونسية في قطر كانت متمسكة بك؟ هل تحدثت إلى سي الباجي قائد السبسي بصفته صديقا قديما؟هل إلتقيتما؟

قمت بواجبي كسفير لدولتي و شعبي و أعتقد بكل تواضع أن ضميري راض على بعض ما حققته في قطر و كذلك الجالية التونسية هناك و أنا لست أفضل من غيري و لكن بحكم معايشتي الطويلة لحياة الإخوة التوانسة بالدوحة وفقني الله إلى حل كثير من المشاكل العامة و الخاصة و أنا أشكر المئات منهم الذين وقعوا على بيانات أخوية لفائدة بقائي في منصبي كما أتوجه بالشكر للأخ الباجي قايد السبسي الذي عبر لي عن صادق عواطفه نحوي و لكني في الحقيقة أخدم وطني من الموقع الذي أنا فيه اليوم و أقدم يد العون لكل من يمثل تونس مستقبلا إذا طلب مني ذلك كما أني أعتز بصداقاتي العديدة صلب وزارة الخارجية فالكثير من السفراء من أبناء دفعتي خريجي المعهد العالي للصحافة و علوم الأخبار( قسم السياسة و القانون) و الوزارة تزخر بالكفاءات العالية و الشباب المتميز وهم يشرفون بلادهم.

- في مقال لك في فيفيري 2010 كتبتم"كتب الشاذلي القليبي مقالا غاضبا بعنوان العرب محتاجون إلى ثورة ثقافية وأنا أضيف لعنوانه ثورة حضارية عارمة تدك أصنام الوهن والعبودية والتواكل حتى تعود رؤوسنا مرفوعة وراياتنا خفاقة ومصيرنا موحدا" هل تعتقد أن ماحدث في تونس ومصر تصديق لنبوءتكم؟

نعم أنا أعتبر أن الثورة التونسية و المصرية و الثورات العربية القادمة هي ثورات حضارية يجب أن تعيد مسيرة نهر شعبنا إلى مجراه الحضاري أي وضع الحداثة في إطار هويتنا و تاريخنا فالحداثة ليست ثوبا يستعار. و الفرق بيننا و بين الشعب الياباني هو أساسا فرق في مفهوم الحداثة حيث أن اليابان غرف من تقاليده و أمجاده بينما نحن اكتفينا و ما نزال نعتبر تقليد الغرب كالقردة النوع الوحيد من الحداثة. يجب تصحيح هذه المسارات و العودة إلى الأصول دينا و لغة و قيما.

-كبف عشت ما حدث في تونس؟ وهل ماحدث ثورة أو هو إنقلاب على بن علي لا نعلم تفاصيله؟

الحقيقة هي أن المستقبل القريب سوف يقول لنا هل تنجح الثورة لأني أرى بعض مؤشرات تدعو للتشاؤم في التشرذم و طرح أوهام القضايا و لكني أحيانا أنتعش و أسعد و أتفاءل حين أسمع الشباب يتحدث بلغة الثورة الحقيقية و يغزو المستقبل. لم أكن أتوقع أن يأتي 14 جانفي بهذه السرعة و هذا النسق و امتنعت عن الدفاع عن بن علي في القنوات التي دعتني و ظللت أخدم مصالح شعبي وجالية تونس في قطر و سأواصل ذلك من أي موقع.

· لا يفهم المواطن التونسي كيف تكون قطر صديقة لتونس الثائرة وتأوي صخر الماطري على أراضيها؟

إن حق منح اللجوء أو منعه يعود حسب الدستور القطري حصريا لصاحب السمو أمير البلاد و أنا كسفير قمت بكل الإجراءات فسلمت وثائقنا القضائية للسلطات العدلية و يدا بيد لسعادة النائب العام الأستاذ علي المري. و أعتقد أن العلاقات بين الدولتين الشقيقتين ستتواصل بل ستزداد قوة لما يخدم مصالحنا المشتركة.

· يرى كثيرون أن "الجزيرة" تنحاز إلى التيار الإسلامي في تونس...ألا تخشى على تونس من مصير شبيه بما حدث في الجزائر والسودان بعد إرتقاء الإسلاميين إلى السلطة؟

ليس صحيحا بأن الجزيرة تنحاز إلى تيار دون تيار فالذين تكلموا في الجزيرة من التونسيين لا ينتمون كلهم للتيار الإسلامي و لكننا تعودنا نحن في تونس مع الأسف أن نحاصر الإسلاميين و نمنعهم من التعبيرو لهذا السبب كلما رأينا أحدهم يعبر عن رأيه إتهمنا الجزيرة بتمييزه وهو خطأ. أنا أعتبر بحكم معرفتي لكوادر النهضة خلال سنوات المنفى أن النهضة أقرب للتيا ر التركي المعتدل الذي شهدت تركيا على يديه تقدما سريعا و قويا و أصبحت بفضله في طليعة الدول الصاعدة.

· اصدرت كتابا بعنوان"ذكرياتي من السلطة إلى المتفى " لم يوزع في تونس إبان إصداره سنة 2005 هل تفكر في إعادة طبعه بعد الثورة؟

أبحث عن ناشر تونسي لإعادة طبعه فهو مشحون بخفايا لا يعرفها الشباب التونسي و يسلط أضواء على مراحل الكفاح و المقاومة في المنفى. و صدر في عز الإستبداد لا بعد رحيل بن علي.

· سؤالي عن الهادي البكوش فقد أشرت في كتابك إلى طموحه السياسي الجارف هل تميل إلى تصديق ما روي عن دور له بعد ثورة 14 جانفي أيام حكومة الغنوشي؟

ليس اليوم مجال الحديث عن رجل بعينه و عن دوره و ستأتي الأيام القادمة بما يكشف حقائق ما تزال مجهولة عن الرجال و أدوارهم في الخير و في الشر لأن من حق الشعب التونسي أن يعرفها للعبرة و لعدم تكرار الأخطاء.

· دكتور هل من مقارنة بين الماجدة وسيلة بورقيبة وليلى بن علي؟

تكفل كتاب الصحفي (نيكولا بو) بالإجابة على هذا السؤال لكني أريد أن أضيف بأن التاريخ أثبت بأن وراء كل دكتاتور إمرأة. فالمرأة بطبعها لا تنظر إلا لما فوقها و لحكمة يعلمها الله لا تقنع المرأة بما كتب لها إلا من رحم ربك فليس من العجب أن نجد هيلين وراء شوشسكو و ايمالدا وراء ماركوس و ليلى وراء بن علي و سوزان وراء حسني مبارك. أتمنى أن يشتمل الدستور التونسي القادم على أن لا يعرف الشعب زوجة الرئيس القادم و لا أصهاره. فالأتراك لا يعرفون زوجة عبد الله غول و لا زوجة رجب طيب أردوغان إلا من وراء حجاب .و ربما تقول لي طيب و لو وقع إنتخاب إمرأة رئيسة للجمهورية ! و الجواب هو أن يكون زوجها مثل دوق أدمبرة "يزين المحضر و يخبي وجهه".

· "سيد احمد" هل تحن إلى الكتابة الأدبية والمسرحية ؟

نعم أنا عدت للكتابة و بفضل الله لم أتخل عن المطالعة و متابعة الأدب التونسي و الكتب السياسية و كتب المذكرات و أنا في الحقيقة شاعر فاشل لأني لم أواصل وأسعدني منذ أسابيع بأن الشاعر المبدع البحري العرفاوي قال لي في الدوحة بأنه تأثر بديواني الصادر سنة 1970 (سنابل الحرية) فجزاه الله خيرا لأنه رفع من معنوياتي و أعتقد أن أدباء تونس كثيرون و أدبهم إبداع رفيع.

· هل مازلت تطمح لدور سياسي؟

قال شارل ديجول: الرجل السياسي لا يموت إلا موتا طبيعيا وهو كلما ظل حيا يمكن أن يبعث سياسيا بعثا جديدا و لعلني من هذا الصنف. لكن بلادنا زاخرة بشبابها ما شاء الله وهو كنزنا و عزنا و تاج رؤوسنا.

No comments: