Search This Blog

Friday, January 03, 2014

AbdelWahab Hani: La Caisse Alkarama....




التسرع في تمرير الصندوق الخاص للتعويض الآن لا سيتقيم قانونا ووجاهة

 وأخلاقا


عبد الوهاب الهاني
رئيس حزب المجد


الحق في جبر الضرر لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أفرادا كانوا أو جماعات أو مناطق بأسرها من التراب الوطني، حق مكفول وشرعي وجب الدفاع عنه، ولكن في إطار احترام الإجراءات والقوانين وفي إطار مسار العدالة الانتقالية الذي يعيد الحقوق المسلوبة بروح الوحدة الوطنية.

وقد أثار تمرير فصل في قانون المالية 2014، من طرف الكتلة الأغلبية في المجلس الوطني التأسيسي، لإحداث صندوق خاص في الخزينة العامة للبلاد التونسية "للتعويض لضحايا الاستبداد" جدلا واسعا في البلاد قبل سُويعات من انطفاء آخر شمعات السنة الإدارية الميلادية 2013.

وأمام هذا الجدل، ومع التأكيد مُجددا على الحق في جبر الضرر، وجب مناقشة هذا "الإجراء" من زاوية "المشروعية القانونية" ثم من زاوية "الوجاهة".

المشروعية القانونية:

أما من جانب المشروعية القانونية، فإن هذا الإجراء يفتقد لأدنى الأسس القانونية التي نصَّ عليها "القانون الأساسي للميزانية"، الذي يقوم مقام "دستور الميزانية" والذي نصَّ على منهجية وضوابط ونواميس إعداد قوانين المالية وحدَّد مجال وطرق تدخُّل الحُكومة والمجلس النيابي.

فقد عرَّف الفصل 19 "الصناديق الخاصة في الخزينة" التي "تُفتحُ ضمن دفاتر أمين المال العام ". وحدَّد وظيفتها: "تُمكِّن الحسابات الخاصة في الخزينة من توظيف مقابيض لتمويل عمليات معينة تهُمُّ بعض المصالح العمومية". فضبط المُشرِّعُ فتح هذه الحسابات بتوظيف مقابيض خاصة، واهتم بضرورة توفير موارد خاصة لتفادي التلاعب بموارد الدولة والحد من التكاثر المرضي والمشبوه لهذه الصناديق. 

واستقرت الممارسة المالية للجمهورية التونسية على عدم توفير مقابيض لهذه الصناديق من ميزانية الدولة وخاصة من الموارد الجبائية وحصر تمويلها من الموارد غير الجبائية، إلى غاية تنقيح 1996 الذي سمح في الفصل 22 جديد باقتطاع مساهمات من الدولة في إطار حرص النظام السابق على تمويل صناديقه المشبوهة " التضامن: 26-26" ثم "التشغيل: 21-21" التي قامت الثورة ضد غياب الشفافية في تعبأة مقابيضها وفي التصرف في مواردها، وأصبحت سيفا مُسَلَّطا على المُواطنين وجباية مُوازية للحاكم.

كما نصَّ المُشرع في الفصل 29 على طريقة "النظر في مشروع قانون المالية والاقتراع عليه" وأفرد هذه الحسابات بإجراءات خاصة في الفقرة الثالثة: "بالنسبة إلى الحسابات الخاصة في الخزينة يتم الاقتراع على جملة المقابيض بالنسبة إلى كل حساب". أي أن الاقتراع والتصويت على إحداث حساب خاص في الخزينة لا يستقيم قانونا دون حصر وتحديد المقابيض.

كما حدَّد الفصل 30 مجال التنقيحات والإضافات من طرف المجلس النيابي، الذي لا سيادة له على الإجراءات والقوانين الجاري بها العمل، والتي وَجَبَ عليه الالتزام والتقيُّدُ بها، خاصة في النظر والاقتراع على الميزانية، حتى لا تتحوَّل قوانين المالية إلى فوضى جبائية وإلى حلبات للسباق والعراك الانتخابي على حساب التوازنات العامة للدولة وعلى حساب المال العام.

فقد نصَّ المُشرع وبصريح العبارة في الفقرة الأولى من الفصل إيَّاه على أنه: 

"لا يُمكن عَرضُ أي فصل إضافي ولا أي تنقيح لمشروع قانون المالية إن لم يكن يرمي إلى إلغاء مصروف من المصاريف أو الحط منه، أو إحداث مورد من الموارد أو الزيادة فيه".

وأضاف دون مُواربة في الفقرة الثانية: "و كل عرض لمصاريف جديدة يجب أن يكون مصحوبا باقتراح مورد مقابل، أو اقتصاد مساو في بقية المصاريف."

وخَلُصَ المُشرِّعُ في الفقرة الثالثة إلى بُطلان الفُصول الإضافية التي لا تحترم هذه الإجراءات البديهية، حيثُ نَبَّهَ وأكَّدَ وأَصَرَّ: "وإن الفصول الإضافية والتنقيحات المخالفة لهاته الأحكام تُلْغَى وُجُوبًا." وجاءت الصيغة الفرنسية من هذا الفصل على معنى "التَّجزأة بالإلغاء وجوبا". 

وقد استقرَّ فقه القضاء المُقارن على "التَّجزأة بالإلغاء وجوبا" وإعلان إخراج الإجراء المُستشكل من قانون المالية، وطرحه للاقتراع والتصويت في وقت لاحق وضمن قانون آخر غير قانون المالية، كما قضى بذلك مثلا المجلس الدستوري الفرنسي على سبيل الذكر. وتهم هذه الإجراءات عادة جوانب التي لا علاقة لها بالتوازنات المالية العامة التي يتضمنها قوانين المالية وحُشرت فيه حشرا.

وهو نفس التوجُه الذي اعتمده الفقه التونسي حيث استقرَّ على "منع السلطة التشريعية من المس بالتوزنات العامة لقانون المالية، كطريقة لمقاومة ظاهرة المقترجات ذات الأبعاد الانتخابوية أو الديماغوجية، بموجب الفصل 30 من القانون الأساسي للميزانية".

ويتضح بدون مواربة مما سبق، نصَّا وممارسة وفقها، أن الإجراء الذي أضافه المجلس الوطني التأسيسي بفتح صندوق خاص في الخزينة ضمن دفاتر أمين النال العام للبلاد التونسية، دون تحديد المقابيض الخاصة يُعَدُّ فاقدا للمشروعية القانونية، وتحتَّم إلغاءُهُ وُجُوبا، عملا بأحكام القانون الأساسي للمالية.

الوجاهة:

أما من ناحية الوجاهة فإن هذا الإجراء يتنزل في ظروف مالية واقتصادية واجتماعية صعبة تمرُّ بها البلاد التونسية بالإضافة إلى الضغوطات والحاجيات الإضافية للاقتراض لتمويل ميزانية الدولة.

كما يستبق هذا الإجراء-الصندوق مسار العدالة الانتقالية والهيآت التي أحدثها قانونها الأساسي الذي تم ختمه مؤخرا.

فجبر الضرر وإعادة الاعتبار للضحايا وظيفة أساسية للعجالة الانتقالية ولكن في إطار تناسق المسارات. وتبدأ هذه المسارات وجوبا بمعرفة حقيقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان للأفراد والجماعات والمناطق، لأي سبب كان، ولكل مواطن أو مقيم أو ساكن مهما كان، ذكرا كان أو أنثى، قاصرا كان أم راشدا، ولكل جماعة من المجموعة الوطنية، أو منطقة من تراب الجمهورية، انتُهكت حقوقهم انتهاكا جسيما من طرف أعوان الدولة وبطريقة منهجية ومنظمة، سواء كانت هذه الحقوق مدنية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو تنموية أو بيئية، فردية كانت أو جماعية.

وتكتسي معرفة الخقيقة وتقاسُمها في مسار العدلاة الانتقالية أهمية قُصوى، لا فقط لبناء أثر العقاب وجبر الضرر، ولكن وبالأخص لبناء ذاكرة مشتركة للماضي تسمح للأُمَّة بمحاسية مرتكبي تلكم الجرائم باسم الشعب، وتسمح أيضا بجبر الضرر للضحايا كل الضحايا باسم الضعب أيضا، في إطار القبول اتام من الجميع بمُجريات العدالة الانتقالية وقراراتها، حتى تتأهَّل الاُمة للقيام بالإصلاحات الضرورية لضمان عدم العُوْد ولتتمكَّن من المرور إلى المُصالحة الوطنية الحقَّة لطَيِّ صفحة الماضي المُؤلمة وفتح صفحة جديدة عادلة تحْضُنُ جميع أبنء الوطن.

هذا هو المسار الأصيل والهدف النبيل للعدالة الانتقالية، أما تسبقة التعويض المادي على بقية المسارات فلن يؤدي إلا إلى عدالة انتقامية غنائمية حاقدة ومشوهة وغير عادلة، والأخطر من ذلك كله إلى إعادة إنتاج أحقاد وضغائن ومظالم الماضي، وهو أسوأ ما يمكن أن يسيئ لنا جميعا وبأس المسار إن لم نوقف هذا النزيف.

تقدير الموقف:

فيتحتم حينئذ، قانونا، ووجاهة، وأخلاقا، ووطنية، العدول حالا عن إحداث الصندوق-الفتنة واجتزاءُ الفصل المُحدِث لهُ بالإلغاء من قانون المالية، وتأجيل النظر فيه وفي موارده ومقابيضه خارج هذا القانون، وبرمجة مناقشته في إطار قانوني أنسب وأوفى قانونية وشروطا ووجاهة وروحا.

ولبلوغ هذه الغاية، وفي غياب هيئة للرقابة على دستورية القوانين في المرحلة الانتقالية، وجب على رئيسي المجلس الوطني التأسيسي والجمهورية اللجوء إلى دائرة المحاسبات وإلى المحكمة الإدارية في وظيفتهما الاستشارية، بعد أن فشل رئيس الحكومة المؤقتة في تكريس التضامن الحكومي مع وزيره للمالية الرافض باسم الحكومة للصندوق-المفاجئة، وانساق أمام النَّفس الحزبية الأماَّرة بالسوء وأضاع فرصة ثمينة للتصرف كرجل دولة يخدم حكومة التونسيين جميعا كما يفترض في كل من يتصذَّرُ لقيادة الشأن العام.

أن الأمة ملَّت الانقسامات وإن الشعب يبحثُ عن إحياء التضامن الحق، والكرامة الحق والأخوة التونسية الحق.. ألا فارحموه أيها الساسة.. ألا فهلُمُّوا لنُهدي لهذا الشعب لحظات من الوئام.

اللهم احفظ بلادنا من كل مكروه وسوء، ومن الفتن والمفتنين، ما ظهر منها ومنهم وما بطن.

بسم الله الرحمان الرحيم: "وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَـقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ"، صدق الله العظيم، الآيات 20-21، سورة يس،



عبد الوهاب الهاني

jan 2 à 3h42 PM 
awhani@yahoo.fr

No comments: