Search This Blog

Saturday, March 21, 2015

Henda Belhadjali: "هولوكوست.."(2)Holocauste 2

"هولوكوست.."(2)


"قم يا حسين العلــَـم، افتح نوافذ تاريخنا المغلقه، وارفع اوراقك والقلمْ، سمِّ البلاد بأسمائها، واحرث المستترْ، لطّــِخ لحيّ الظلام بآثامهم، وانتصـــِرْ" 

الشهيد شكري بالعيد


تتطاير روح الثور المجنح،، تعلو، تعلو، تحلق في سمائنا المغبرة،، تتلوى ألما،، كيف يسقط نسر تحت معاول القبح والجهل، والسقوط أبدا لم يكن من شيم النسر. هو الثابت في الأرض منذ اللفضة الأولى للزمن، هو الرابض في نينوى ولم يبرح مكانه كما لم يرهب يوما لا قتال ولاحرب. مر التتار من هنا ومر رعاة البقر وأمطرت سمائه حمم ونيران وأحجار مستعرة، لم يخف ولم يَهَبِ. من يحمي المدينة بعده وكان لها خير حصن والدرع والحرس ؟، ومن يرد الأعداء بزمجرة الأسد ؟، ثور هو وكذا أسد ونسر وبشر ورب في السماء منزله وعلى الأرض موطئه، من سيشهد للتاريخ وعلى التاريخ من بعده ؟، فالكون يعرفه من أول نفس الى أن أتاه الأعراب والفجر والنجس.

يرفع أبو تمام رأسه المقطع على تربة الموصل، دمائه تتسلق أسوار سومر وتتحدى مدينة النمرود وتحتمي بكنيسة القديس يوسف والقديسة سارة، هناك تحت الأرض تتنقل بين ما خفي من القصور السبع، لم تقوى أشلاءه على احتمال ألام الثور الدامي، يشهق أبو تمام بكاءا، فينفجر شعرا :

"خَلِيفَة َ اللَّهِ جازَى اللَّهُ سَعْيَكَ عَنْ 
جُرْثُومَة ِ الديْنِ والإِسْلاَمِ والحَسَبِ 
بصُرْتَ بالرَّاحة ِ الكُبرى فلمْ تره
 تُنالُ إلاَّ على جسرٍ منَ التَّعبِ"*

وينتفض نزار في تربته والمعري يحاذيه :

"أبا تمام .. أرملة قصائدنا .. وأرملة كتابتنا .. وأرملة هي الألفاظ والصور..  فلا ماء يسيل على دفاترنا.. ولا ريح تهب على مراكبنا ولا شمس ولا قمر ,,, إذا كنا سنسرق خطبة الحجاج : والحجاج .. والمنبر ..  ونذبح بعضنا بعضا لنعرف من بنا ألشعر .. فأكبر شاعر فينا هو الخنجر.."**


هاهو أبي العلاء يعتذر منك ومن الأمم ومن أهل الفن والشعر والأدب، لا عقل بقى فينا ولا بصر، ولا علم ولا فكر، نحن من جنى على أنفسنا وهذا الزمن فاض به الكأس من حريق وسبي ونحر ولم يعد يحتمل، فلو كان الخمر ينسينا ما استفقنا من السكر، همهم أبي العلاء وللصوت صدى :

"إن الشرائع ألقَت بيننا إحَناًوأورثتنا أفانينَ العَداوات وهل أُبيحت نساء القوم عن عُرُضللعُرب، إلا بأحكام النُبوات ؟ "***

كليمة أنا بعد سقوطكم، ونُوَاحِي يخرق السحب، يا من أراجيزهم كانت لنا بهاء وجمال ونقشا في الهواء وعلى الرخام والحجر.  لم تسقط  يا أبي العلا ولا أنت أبي تمام من الذكرى ولا من دفاترنا ولا الكراريس والكتب. لا ولن تذهبوا كما أراد لكم الأعراب وتجار النفط والموت والمحن.  لم يرحل الحداد، مازلا حيا وقبره صار مزارا من الأنوار بعد أن كان نسيا منسيا، وامرأته لم تلبس الحداد بل لفت جسدها بأحمر العلم، ذادت عن البلاد بأضافرها وجادت بضفائرها لاعدام من سلبوا ومن نهبوا ومن قتلوا، امرأة الحداد هي البدايات للزمن، لن تسقطوا أبدا ومن هنا سيبدأ الزمن.

ما تبقى لنا ؟..


من العامرية الى نينوى الى معرة النعمان، الى اللاذقية وراهبات دير معلولا، كان باردو آخر محطاتهم وليست نهايتها، هناك استشهدت قصائد فرجيل برصاصهم الغادر فصرخ فيهم وهو يجمع ابياته : العراق العراق، رد البياتي : العراق العراق "انظر رفيقي، بعرفان للبدايات الجريئة"****. تعانقا كلاهما في شجن وبكيا حتى التعب، وفي المتحف رجع الصدى، العراق العراق، سومر، أشور، وأور ونيبور وبابل وبغداد وأوروك، وقلقامش قاهر العذارى وبطل خلود الوجود.


كنا هناك، نتوجس سقوط  القرى والمدن، كنا هناك كأهل الكهف لا علم ولا خبر، هل نحن بشر مثل باقي البشر أم نحن حجر، أم أن الزمن ليس الزمن. مر زمن ونحن نبحث عن الزمن، نلتقط الأخبار وعروض البورنوغرافيا الداعشية المثيرة للعجب، نتلذذ بقتلنا واحمرار دمنا، ونترحم على الشهداء، نعد القتلى، ندفن صرخات الثكالى واليتامى في التراب ونغسل دموعهم في خوف وجبن وحياء، ننزعج قليلا لتلبد الهواء بدخان الانفجار وانصهار فكرنا في الفكر البليد القديم الجديد. لا شيء يغير ما فينا، ننطلق للنوم في هدوء، لا قبل مشاهدة العروض الجديدة لانتصارات الكهنوت وهتافات حماة الرموز ومشروعية الجهل وسيلان الدماء من أجل السماء,

نشرب قهوتنا في صباح جديد، نأمل ونتأمل، ما الذي يغيرنا أو يغير القادم فينا، لا شيء في الانتظار سوى نشرات الأخبارعن فتوحات جديدة للخوارج وحالات للاحتضار. لا شيء في الانتظار، سوى هذا السياج من الضباب والغبار، وامرأة الحداد في مواجهة الحصار، ترتدي بزة المقاتل وترفع صوتها عاليا : الويل والويل لكم وابل من وشم البدايات وورد الروايات القديمة وأنامل حية وسهام من صديد، أنا مفتاح للزمن الجديد.

  • ·       * أبا تمام
  • ·       ** نزار قباني
  • ·       *** أبي العلاء المعري
  • ·       **** فرجيل

هندة بالحاج علي
مسرح الحلقة بتونس

No comments: